الملفونو جوزيف جورج بيشار
هولندا
josephbishar@hotmail.com
وُلد الملفونو جوزيف بيشار في حلب عام 1965، ترعرع وتتلمذ منذ طفولته على أيدي الرهبان السالزيان في مركز جورج ومتيلد سالم في حلب. حصل على إجازة في الكيمياء التطبيقيّة من جامعة حلب، وعمل كمدرّس لمادّة الكيمياء. كرّس جهوده وخدماته في الحقل الكنسيّ على مدار ثلاثة عقود، حيث كان عضواً إداريّاً ومسؤولاً عن النشاطات الاجتماعيّة في إدارة مركز الخدمة الاجتماعيّة. كما تولّى رئاسة أخويّة ابن العبريّ للخرّيجين الجامعيّين، ورئاسة عائلة الإيمان، بالإضافة إلى رئاسته لعائلة رحماي يلفونو (مُحبي العلم). كان أيضاً مسؤولاً عن النشاطات الاجتماعيّة والرياضيّة في أخويّة مار رابولا للطلبة الجامعيّين. وفي عام 1986، انضمّ إلى كورال كنيسة مار جرجس تحت قيادة الموسيقار الملفونو نوري اسكندر، مظهراً تفانياً في جميع هذه الخدمات. يُقيم مع عائلته في هولندا منذ عام 2015.
عدد صفحات المشاركة 16 صفحة (A4) .
المرحلة الذهبيّة (1980 -2010)
مرحلة بناء الإنسان
مقدّمة
ممّا لا شك فيه بأنّ هذه المرحلة تعتبر من أهمّ المراحل التي مرّ بها شعبنا السريانيّ الرهاوي خلال مسيرته عبر ما يقارب المائة عام منذ بداية هجرته القسريّة عام 1924 من مدينة الرها (أورفه الحاليّة) واستقراره في مدينة حلب، إلى أن آل به المطاف إلى هجرة جديدة، حزينة، شتّت شمل أبناء كنيسة مار جرجس للسريان الأرثوذكس حيّ السريان – حلب، إلى مجموعات صغيرة متفرّقة ومشتّتة في كلّ أنحاء العالم بقارّاتها الخمسة بعدما كانوا يقطنون في رقعة أرض لا تزيد مساحتها عن الكيلو متر مربّع. أجدادنا الميامين وبالرغم من خطورة طريق الهجرة وصعوبته، إلّا أنّهم حملوا معهم ما استطاعوا إليه سبيلاً من أواني خاصّة بالقداس الإلهيّ – جرس كنيستهم في أورفا – كتّاب القدّيس ميخائيل الكبير… الخ) وفي وجدانهم وضمائرهم محبّة اللّه والكنيسة والشعب، متسلّحين بالإيمان والصبر والإرادة التي لا تُقهر. ومنذ أن حطّوا رحالهم في هذه الأرض الجديدة (حلب – حيّ السريان) وضعوا نصب أعينهم إلى بناء مجتمع مسيحيّ حضاريّ منتج ومتعايش بشكل سلميّ مع كلّ مكوّنات الشعب السوريّ.
وبعد فترة وجيزة من عمر الزمن، بات حيّ السريان – حلب، مجتمعاً نموذجيّاً، فريداً من نوعه في العالم أجمع، إذ كان يضمّ ما يقارب 1050 عائلة، تربطهم علاقات القرابة والصداقة، يسكنون في حيّ شعبيّ واحد، ملتفّين حول كنيستهم الأمّ ضمن مجموعات منظّمة من مؤسسات ولجان وأخويّات، يمارسون أنشطتهم الدينيّة والاجتماعية بنشاط وتمييز قلّ نظيره في جميع أنحاء العالم. ومن الجدير بالذكر هنا بأنّه، وفي فترة من الفترات باتت كنيسة مار جرجس بمؤسّساتها ولجانها وكشّافها وأنشطتها المميّزة، باتت وعلى الإطلاق من أقوى وأنشط الأبرشيّات السريانيّة الأرثوذكسية في العالم بأسره، وذلك بتقييم وتصنيف صادر عن البطريركيّة في دمشق. وهنا لا بدّ من وقفة، وقفة إجلال وإكبار، وقفة اعتزاز وافتخار، أمام من يستحقّون تقبيل أرجلهم قبل أياديهم الطاهرة، أمام من ذاقوا الأمرّين: مرارة الهجرة ومرارة العيش القاسي، فافترشوا الأرض والتحفوا السماء، لكنّهم وبإيمان ثابت وعقيدة راسخة، لم ولن يتوانوا عن تحقيق أهدافهم وتطلّعاتهم.
أمّا أنتنّ، جدّاتنا وأمّهاتنا القدّيسات… أيقونات التضحية والصبر والإرادة التي لا تلين. حجارة الكنيسة تتحدّث وتشهد على عرق جباهكنّ المرفوعة وسواعدكم القويّة التي امتزجت بالماء الذي حملتنّ على أكتافكنّ، وسرتنّ بها مسافة طويلة لجبل الإسمنت لبناء الكنيسة.
يا من وقفتنّ بجانب أزواجكنّ وقفة النخلات الصامدات لمواجهة مصاعب الحياة والظروف المعيشيّة القاسية. يا من كان، لكن وما زال الدور الهامّ والبارز في العمل في الحقل الكنسيّ والخدمات الجليلة الّتي قدّمتهنّ وتحمّلتم المسؤوليّات الثقيلة الملقاة على عاتقكنّ بكلّ محبّة وفرح.
نستعرض فيما يلي أهمّ الأحداث والتطوّرات التي مرّت بها كنيستنا في الفترة الواقعة ما بين (1980 – 2010) ونخصّ بالذكر تأسيس المجموعات والأخويّات، وذلك بعد تأسيس مركز التربية الدينيّة.
قبل عام 1980
على عجالة من أمرنا، لا بدّ لنا من العودة إلى سبعينيّات القرن الماضي وتسليط الضوء على نشاطات وفعاليّات المجموعات الطلّابيّة آنذاك. كان حضور تلك المجموعات خجولاً نوعاً ما على الساحة الكنسيّة، إذ كانوا عبارة عن مجموعات صغيرة عدديّاً ولهم أنشطتهم الخاصّة والمتواضعة، ويُعزى ذلك إلى قلّة عدد الشريحة الطلّابيّة آنذاك ممّن تابعوا دراسة المرحلة الإعداديّة والثانويّة أو الجامعيّة، فكانوا معظم الأطفال يكتفون بنيل الشهادة الابتدائيّة، ليلتحقوا بعدها مباشرة بمهنة ما (غالباً ما تكون مهنة الأب) لعدّة أسباب ومنها:
يستطيعون من خلالها تأمين دخل مادّي مساند لدخل الوالدين اللذين باتوا عاجزين على تأمين الحدّ الأدنى لمستلزمات العيش الكريم، وبات البعض منهم لم يستطع تأمين سداد أقساط مدارس أبنائهم في ظلّ حالة من الفقر العامّ الذي كان معظم شعبنا يعاني منه. ومن ناحية أخرى إلى سرعة كسب المال وإمكانيّة الادّخار، وذلك لتأمين مستقبل عساه أن يكون جيّداً في ظلّ مجتمع لا يتمتع بالاستقرار الاقتصادي.
وقتئذ كان هناك أربع مجموعات طلّابيّة وهي:
١- أخويّة الأحديّة: وتشمل طلّاب المرحلة الابتدائية.
٢- أخويّة الإيماس (Imas) وتشمل طلّاب المرحلة الإعداديّة.
كلمة إيماس: عبارة عن اسم مؤلّف من أربعة أحرف، وتُعني باللغة السريانيّة (الشبيبة – السريانيّة – للمرحلة – الإعداديّة).
٣- أخويّة الإيتاس (Itas) وتشمل طلبة المرحلة الثانويّة.
كلمة إيتاس: عبارة عن اسم مؤلّف من أربعة أحرف، وتُعني باللغة السريانيّة (الشبيبة – السريانيّة – للمرحلة – الثانويّة).
٤- الأسرة الجامعيّة: تأسّست هذه المجموعة في عام 1970، وتشمل طلّاب المرحلة الجامعيّة وطلّاب الدراسات العليا وذوي التخصصات العلمية المختلفة.
وكانت تضمّ مجموعة من خيرة الشبّان والشابّات اللّذين كان لهم دور هام وبارز في إدارات وقيادات معظم مؤسّسات الكنيسة.
ومن الجدير بالذكر بأنّه تمّ إيقاف اجتماعات ونشاطات الأسرة الجامعيّة في عام 1984، وذلك بناء على قرار من المجلس المليّ بعد موافقة نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم. يُعزّى سبب اتّخاذ هذا القرار إلى طرح بعض الأفكار السياسيّة والماركسيّة ضمن اللقاءات الدوريّة لهذه المجموعة من قبل بعض الأعضاء وخاصّة من الطلبة الجامعيّين القادمين من مناطق الجزيرة السوريّة للدراسة في جامعة حلب، ممّا أدّى إلى خلق أجواء مشحونة ومتوتّرة نتيجة نقاشاتهم وحواراتهم السياسيّة، والتي غالباً ما كانت تصل إلى حدّ الخلافات الحادّة بين المتحاورين.
تأسيس مركز التربية الدينيّة
في عام 1983 وبقرار بطريركيّ صادر عن المجمّع المقدّس في عهد مثلّث الرحمات مار اغناطيوس زكا الأوّل عيواص الكلّيّ الطوبى، والمتضمّن تأسيس مراكز تربية دينيّة في جميع الأبرشيّات السريانيّة الأرثوذكسية في العالم أجمع. وبناء عليه وبقرار رسميّ من المجلس المليّ برئاسة نيافة الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم أُسِّسَت الهيئة الإداريّة الأولى لمركز التربية الدينيّة في كنيسة مار جرجس. ومع مرور الأيّام والسنوات توالت إدارات عدّة برئاسة ملافنة رائعين ومميّزين بحسن الإدارة والقيادة والسمعة العطرة، منّا لهم كلّ الحب والتقدير والامتنان.
النظام الداخليّ لمركز التربية الدينيّة
أودّ وبشكل مقتضب أن أذكر بعض البنود الهامّة في النظام الداخليّ للمركز:
شعارها: عمل – إيمان – محبّة.
بنيّتها الإداريّة: تتكوّن إدارة المركز من ثمانية أعضاء وهم حسب التسلسل الإداريّ الهرميّ: الرئيس – نائب الرئيس – أمين السرّ – المحاسب الماليّ – أمين الصندوق – مسؤول النشاطات الدينيّة – مسؤول النشاطات الثقافيّة – مسؤول النشاطات الاجتماعيّة.
لكلّ عضو إداريّ مهامّه الخاصّة دون التعارض أو التضارب مع مهامّ الأعضاء الإداريّين الآخرين.
مهامّها الأوّليّة
أ- شكيل مجموعات طلّابيّة منظّمة (أخويّات) ممّن ينتسبون إلى كنيسة مارّ جرجس حيّ السريان فقط (دون الاستعانة بأعضاء من خارج المرعيث، وذلك منعاً لتكرار ما حدث في أخويّة الأسرة الجامعيّة كما أسلفنا ذكره سابقاً).
ب- التنسيق الإداريّ بين هذه الأخويّات وتنظيم أنشطتها الدينيّة والاجتماعية والرياضيّة والترفيهية، وذلك من خلال اجتماعات دورية نصف شهريّة بين إدارة المركز ورؤساء الأخويّات أو من يمثّلهم.
ج- تعيين مرشدين روحيّين للأخويّات من كهنة المرعيث، يقتصر دورهم على الإرشاد الروحيّ والدينيّ، وذلك من خلال المحاضرات والصلوات والرياضات الروحيّة، وحضورهم الهامّ في كلّ الأنشطة والفعّاليّات وخاصّة في المخيّمات الصيفيّة. دون التدخّل منهم في الشؤون الإداريّة والماليّة والتنظيميّة.
وبإسناد هذه المهامّ الجديدة لكهنة المرعيث، بات دورهم لا يقتصر فقط على إقامة القداديس والصلوات ضمن جدران الكنيسة كما كان سابقاً، لا بل تعدّى ذلك إلى العيش المشترك والتواصل والتفاعل مع كافّة الفئات العمريّة من أطفال وشبيبة، من خلال حضورهم على نحو دائم في الفعاليّات والأنشطة، وخاصّة المحاضرات الدينيّة والرياضات الروحيّة والمخيّمات الصيفيّة لجميع الأخويّات. فكانوا على قدر رسالتهم الكهنوتيّة المقدّسة، وقاموا بأداء مهامّهم بشكل تامّ ورائع، وأبلوا بلاءً حسناً طيلة الفترة المذكورة وحتّى يومنا هذا، ولهم منّا كلّ الاحترام والتبجيل.
د- تعيين رؤساء للأخويّات والذين بدورهم يشكّلون إدارة خاصّة لهذه الأخويّة بكامل حرّيّتهم.
ه – التواصل والتنسيق مع المجلس المليّ بالأمور الإداريّة والمالية.
وما لبثت أن تشكّلت الإدارة الأولى للمركز، حتّى باشرت بتشكيل الأخويّات المطلوبة، وذلك حسب النظام الداخليّ الجديد وبهيكليّة جديدة، عمّا كانت عليها تلك الأخويّات سابقاً.
فشُكّلت الأخويّات التالية:
أخويّة يسوع الطفل (طلبة المرحلة الابتدائية)
أوّلت إدارة المركز اهتماماً خاصّاً لهذه الأخويّة كونها تضمّ براعم ستنمو وتنضج تحت سقف الكنيسة لتغدوا أمل الكنيسة في المستقبل. وكانت من الأخويّات النشيطة جدّاً، وذلك بفضل القائمين على إدارتها، حيث كانت تهتمّ بالأطفال من خلال الدروس الدينيّة في كلّ يوم أحد بعد القدّاس الإلهيّ مباشرة والقيام بأنشطة اجتماعيّة وترفيهيّة وألعاب خاصّة بالأطفال وأشغال يدويّة ورسومات، تعرض في المعرض السنويّ لرسومات وأشغال الأطفال. ومن الأنشطة الهامّة القيام بحفلات في أيّام الأعياد والمناسبات الدينيّة – مخيّمات صيفيّة – رحلات لمدّة يوم واحد – مبيت لمدّة ليلة واحدة) والمزيد من النشاطات المتنوّعة.
الإيماس – Imas (طلبة المرحلة الإعداديّة)
أستُعين بنفس الاسم القديم لهذه المجموعة حرصاً على عدم إلغاء القديم ولربطه بالجديد والاستمرارية لما فيه خير لكنيستنا المقدّسة. تعقد هذه المجموعة اجتماعاتها الدوريّة في يوم الجمعة من كلّ أسبوع، وكانت تتضمّن محاضرات دينيّة واجتماعيّة وطبّيّة وثقافيّة وأنشطة ترفيهيّة متنوّعة وألعاب، بما يتناسب مع أعمارهم ومستواهم العلميّ والثقافيّ، وكان الهدف منها خلق جيل مثقّف وواع ومحب لكنيسته وتراثه السريانيّ الأرثوذكسي ومخلصاً لوطنه وخاصّة لأهمّيّة المرحلة العمريّة لهذه الفئة التي تعتبر من أهمّ المراحل وأخطرها كونه يبدأ بتشكيل شخصيّته وصقل مواهبه وتطلّعاته.
بالإضافة إلى كلّ ما ورد كانت كلّ الإدارات المتعاقبة على هذه الأخويّة حريصة جدّاً على إقامة مخيّم صيفيّ سنويّ ولمدّة أسبوع تقريباً، في إحدى الأديرة المسيحيّة في قرى ومصايف سوريا الحبيبة، وبحضور المرشد الروحيّ، إذ كان لهذا النشاط أثر كبير في زيادة أواصر المحبة والمودة بين أفراد الأخويّة الواحدة وشعورهم بالانتماء إلى عائلة جديدة. وكانت لهذه الأخويّة نشاطاتها الخاصّة من رحلات في أيّام العطل المدرسيّة وحفلات في المناسبات الدينيّة والأعياد وأنشطة رياضيّة وغيرها من الفعاليّات الهامّة.
الإيتاس – Itas (طلبة المرحلة الثانويّة)
وأيضاً تمّ استخدام الاسم القديم لهذه الأخويّة لذات الأسباب التي تمّ ذكرها مسبقاً. وكانت تعقد اجتماعاتها الدوريّة الأسبوعيّة، وتتضمّن محاضرات دينيّة وثقافيّة وطبّيّة ومواضيع اجتماعيّة وأنشطة ترفيهيّة، تتناسب مع فئتهم العمريّة، وتهدف جميعها إلى خلق شبيبة متسلّحة بالإيمان المسيحيّ وملتزمة ومنتمية لكنيستها، وواعية ومثقّفة، إذ إنّهم وفي السنوات القليلة القادمة سوف يلتحقون بجامعاتهم ومعاهدهم وعندئذ سيختلطون مع أشخاص وفئات جديدة ذات ثقافات وانتماءات مختلفة، لذا كان اهتمام الإدارات المتعاقبة على إدارة هذه الأخويّة حريصين كلّ الحرص على اختيار المواضيع والأنشطة المميّزة.
بالإضافة إلى ذلك وتتويجاً لعام دراسيّ كامل، كانت الإدارات تقرّر إقامة مخيّم صيفيّ سنويّاً لمدّة أسبوع وبحضور المرشد الروحيّ للأخويّة، يتضمّن محاضرات دينيّة ورياضات روحيّة وتأمّلات مسائيّة وأنشطة ترفيهيّة وألعاب وجولات شاقّة سيراً على الأقدام. بالحقيقة، وبعد انتهاء كلّ مخيّم يكون في جعبة كلّ عضو ذكريات جميلة ورائعة لا تُنسى مدى العمر.
أخويّة مار رابولا الرهاوي للطلبة الجامعيّين
تأسّست هذه الأخويّة في عام 1985، وهي تضمّ الشبيبة الجامعيّة بمختلف اختصاصاتهم، وفقط ممّن ينتمون لكنيسة مارّ جرجس حيّ السريان حلب. بهمّة ونشاط مميّزان وبانطلاقة رائعة وناجحة جدّاً وبعدد كبير جدّاً (حوالي ال 80 – 100 عضو) من الشبيبة المتحمّسة والغيورة، باشرت هذه الأخويّة اجتماعاتها ونشاطاتها على مختلف الأصعدة، الدينيّة منها والثقافيّة والاجتماعيّة والترفيهيّة. فكانت لهذه المجموعة اجتماعاتها الدوريّة الأسبوعيّة، وتتضمّن محاضرات دينيّة واجتماعيّة وثقافيّة من قبل محاضرين مختصّين وأنشطة ترفيهيّة متنوّعة وإحياء حفلات بأيّام الأعياد والمناسبات الدينيّة والقيام برحلات يوميّة إلى ربوع الوطن. وبالإضافة إلى ذلك إقامة مخيّم صيفيّ لمدّة 4 أو 5 أيّام متضمّنة صلوات ومحاضرات دينيّة وتراتيل وبحضور المرشد الروحيّ للأخويّة، لها من الذكريات الكمّ الوفير في ذاكرتنا، نستذكرها في لقاءتنا حتّى يومنا هذا.
ويجدر بنا التنويه لأمرين هامّين
الأمر الأوّل: تعتبر هذه الأخويّة هي المجموعة الأولى في تاريخ كنيستنا التي كانت لها حضور قويّ ومميّز في المجتمع المسيحيّ الحلبيّ وكنائسه وأخواته، وذلك من خلال مشاركاتها الدائمة والفعّالة في الأنشطة الرياضيّة، مثل دوريّ أخويّات حلب لكرة السلّة وكرة المضرب. حيث إنّها فازت ببطولة دوريّ أخويّات حلب بكرة السلّة عام 1987 وببطولة دوريّ أخويّات حلب بكرة الطاولة عام 1988.
الأمر الثاني: تُعتبر هذه الأخويّة هي السبّاقة في إقامة أوّل مخيّم صيفيّ مشترك بين الشباب والفتيات تخصّ هذه الفئة العمريّة الحسّاسة والخطيرة، يشبه المخيّمات الصيفيّة الحاليّة بشكله العامّ، وكان ذلك في عام 1986 في دير ما أفرام اللاهوتيّ (باب توما – دمشق). وكان الإصرار من قبل إدارة الأخويّة وأعضائها على إقامة هذا المخيّم بمثابة ثورة على القيم والأعراف السائدة في مجتمعنا آنذاك، وتمّت الموافقة عليها في ظلّ تحفّظ شديد وموافقة على مضض من قبل إدارة مركز التربية الدينيّة ذاتها.
أخويّة مار غريغوريوس للشبيبة العاملة السريانيّة
وهي أخويّة تضمّ الشريحة الشبابيّة ممّن لم يتسنّ لهم متابعة وإكمال دراستهم الإعداديّة أو الثانويّة. ارتأت إدارة مركز التربية الدينيّة آنذاك إلى ضرورة تأسيس مجموعة خاصّة لهذه الشريحة، ليمارسوا فيها أنشطتهم الدينيّة والاجتماعية والثقافيّة بما يتناسب مع مستواهم العلميّ والثقافيّ. وأيضاً تعتبر هذه الأخويّة من الأخويّات النشيطة جدّاً على ساحة الكنيسة، إذ كانت لها نشاطات مميّزة من محاضرات ولقاءات ورحلات وحفلات، وأخصّ بالذكر اهتمامهم الخاصّ وحتّى يومنا هذا بنشاط عيد الصليب الذي يصادف في 14 – 15 أيلول من كلّ عام وقيامهم بتحضير أكلة الهريسة التقليديّة وتقديمها للمؤمنين في حفلة خاصّة في مقرّ مركز التربية الدينيّة بعد عمل شاقّ جدّاً يستغرق لمدّة يومين مع لياليهم وبهمّة الشباب الغيارى اللّذين لا يردعهم التعب والإرهاق من إنجاز هذا العمل حبّاً لكنيستهم وشعبهم.
وأيضاً كانت هذه الأخويّة، وما زالت هي المسؤولة عن تنصيب شجرة الميلاد في الكنيسة وتزيين ممرّاتها ومداخلها وسورها الحديد بالأنوار والإضاءة والزينة الخاصّة بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة المباركة. وما زالت هذه الأخويّة قائمة وحاضرة بقوّة في ساحة الكنيسة، وتمارس جميع أنشطتها حتّى يومنا هذا، وتقوم بكافّة مهامّها على أكمل وجه بفرح وحماس.
أخويّة السيّدة العذراء للمرأة السريانيّة
وهي أخويّة تضمّ سيّدات كنيسة مار جرجس بكافّة فئاتهنّ العمريّة والعلميّة والثقافية. وما إن باشرت هذه الأخويّة بلقاءتها وأنشطتها، حتّى لاقت إقبالاً كبيراً من قبل باقي سيّدات الكنيسة للحضور والمشاركة في فعاليّاتها وأنشطتها. وفي فترة وجيزة من الزمن انضمّت إلى هذه الأخويّة مجموعة كبيرة جدّاً من سيّدات الحيّ، يمارسن أنشطتهنّ فيها بكلّ فرح وحماس. للأخويّة لقاء شهريّ دوريّ، تمارس فيها أنشطتها الدينيّة والثقافيّة والاجتماعية متضمّنة محاضرات وندوات لمحاضرين من كافّة المجالات العلميّة والاجتماعية ولقاءات طبّيّة من قبل أطبّاء مختصّين، وبالإضافة إلى ذلك إقامة نشاطات لمدّة يوم واحد في إحدى الحدائق أو المنتزهات يتخلّلها أطعمة ومأكولات من المطبخ السريانيّ الرهاوي.
وكان برنامجها السنويّ يتضمّن على إقامة رحلات سياحيّة في ربوع الوطن، وتختتم دورتها السنويّة بإقامة مخيّم صيفيّ لمدّة خمسة أيام في إحدى الأديرة في الريف السياحيّ السوريّ. اهتمّت هذه الأخويّة على نحو خاص بأنشطة نوعيّة في المناسبات الدينيّة مثل المعرض السنويّ للمأكولات التقليديّة الرهاويّة، ومشاركتهم ومساعدتهم لسيّدات لجنة مار جرجس الخيريّة في التحضير لحفلة (السمسك) التقليديّة السنويّة وأيضاً مساعدتهم لأعضاء أخويّة الشبيبة العاملة السريانيّة في التحضير لأكلة الهريسة التقليديّة في عيد الصليب.
وما زالت هذه الأخويّة مستمرّة وحاضرة بقوّة على الساحة الكنسيّة حتّى يومنا هذا.
أخويّة مار غريغوريوس ابن العبريّ للخرّيجين الجامعيّين
تسميتها: سمّيت هذه الأخويّة بهذا الاسم لسببين:
الأوّل: نسبة إلى القدّيس ابن العبريّ مطران حلب وتوابعها (1226 – 1286) والذي كان ملمّاً بكافّة علوم عصره، كإلمام أعضاء هذه الأخويّة بمختلف علوم واختصاصات العصر.
الثاني: نسبة إلى نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم مطران حلب وتوابعها (1979 – والمختطف في عام 2013) والذي كان الداعم الرئيسيّ لتأسيس هذه الأخويّة وقناعته الراسخة بأهمّيّة جمع خرّيجي الجامعات وتوحيد طاقاتهم في مجموعة واحدة وتهيئتهم للعمل الخدميّ المناط بهم في اللجان والمؤسّسات لما فيه خير لمستقبل الكنيسة والمجتمع السريانيّ الرهاوي.
تُعتبر هذه المجموعة من أهمّ المجموعات على الإطلاق في الساحة الكنسيّة، إذ إنّها كانت تضمّ شريحة شبابيّة من مختلف الاختصاصات العلميّة، والتي تدرّجت منذ صغرها وبشكل منتظم وتدريجيّ ضمن أخويّات الكنيسة، وتسلّحت بالإيمان المسيحيّ السريانيّ الأرثوذكسيّ، لطالما أنّها نهلت وطوال السنوات السابقة من التعاليم الدينيّة ما يكفي لأن تكون من الشبيبة المؤمنة والتي تشعر بالانتماء المتين للكنيسة، وتكرّس طاقاتها وإمكاناتها في خدمة الشعب، واكتسبت الخبرة الكافية من خلال عملها في إدارات كافّة الأخويات لاستلام دفّة القيادة في الكنيسة ولجانها ومؤسّساتها.
بيت المحبّة لذوي الاحتياجات الخاصّة
تأسّس في عام 2000 وله هيئة إداريّة مستقلّة، يهتمّ بأعضائه اهتماماً خاصّاً، ويتبنّى نشاطات وفعاليّات بما يتناسب مع قدراتهم الجسديّة والعقليّة.
استطاعت هذه المجموعة تغيير مفهوم الإعاقة الجسديّة لدى المجتمع، وذلك بدعم ومساندة أعضائها للخروج إلى العلن والأضواء والانخراط في المجتمع، بعدما كانت حياتهم تتّسم بالانطوائيّة والانعزاليّة.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أنّ هذه المجموعة ضمّت أعضاء من مختلف الطوائف المسيحيّة في حلب، وليس فقط من أبناء كنيسة مار جرجس. لقاءاتها دوريّة، وتتضمّن أنشطة ترفيهيّة وألعاب خاصّة وأشغال يدويّة بسيطة وجولات قصيرة في منتزهات وحدائق حلب.
تأسيس مركز الخدمة الاجتماعيّة
في ظلّ التعداد الكبير للأخويّات وإدارة أنشطتها المكثّفة والتنسيق فيما بينها، بات عمل مركز التربية الدينيّة بمفرده عملاً شاقّاً ومضنياً.
وبناء على هذه المستجدّات، وفي عام 1994، ارتأت إدارة المجلس المليّ وبرئاسة المطران يوحنّا إبراهيم تأسيس هيئة إداريّة مستقلّة، تتقاسم العمل الإداريّ إلى جانب شقيقتها إدارة مركز التربية الدينيّة.
سمّيت الهيئة الإداريّة الجديدة باسم مركز الخدمة الاجتماعيّة، وأُسندت إليها مهمّة الإشراف على التنظيم الإداريّ والماليّ والتنسيق بين الأخويّات المنتجة فقط (المقصود بها: الأخويّات الّتي تضمّ أعضاء منخرطين في سوق العمل ومنتجين وليسوا طلّاباً) وهي:
أخويّة مار غريغوريوس ابن العبريّ للخرّيجين الجامعيّين.
أخويّة مار غريغوريوس للشبيبة العاملة السريانيّة.
أخويّة السيّدة العذراء للمرأة السريانيّة.
بينما استمرّت إدارة مركز التربية الدينيّة بمتابعة مهامّها في إدارة الأخويّات الطلّابيّة وهم:
أخويّة يسوع الطفل – الإيماس – الإيتاس – أخويّة مار رابولا للطلبة الجامعيّين.
وبهذه الآليّة الجديدة، قُسِّم العمل الإداريّ على محورين، وذلك للحفاظ على جودة العمل الإداريّ والخروج به بأنجح صورة، وهذا ما حدث في ظلّ ملافنة غيارى وإدارات ذات كفاءات عالية توالت على إدارة هذه الهيئة حتّى يومنا هذا.
تأسيس عائلات مار جرجس
ساهمت عائلات مار جرجس وبشكل كبير إلى توطيد أواصر المحبّة والمودّة بين الأسر وخلق علاقات اجتماعيّة وصداقات جديدة فيما بينها منذ اليوم الأوّل من تأسيسها، وكان ذلك في عام 2003. سمّيت العائلة الأولى التي تمّ تشكيلها باسم عائلة المحبّة. وبعد ذلك بفترة قصيرة تمّ تشكيل ثلاث عائلات جديدة وهي: عائلة الإيمان – عائلة التربية المسيحيّة – عائلة رحماي عيتو (محبّو الكنيسة).
ونتيجة النجاح والإقبال الرائع من قبل أعضاء العائلات الأربعة السابقة على الحضور وممارسة أنشطتهم المتنوّعة، تمّ تشكيل خمس عائلات جديدة أخرى وهي: عائلة رحماي يلفونو (محبّو العلم) – عائلة النور – عائلة الرجاء – عائلة رحماي ليشونو (محبّو اللغة) – عائلة الأمل. وبذلك أضحى مجموع عدد العائلات، تسع عائلات تضمّ تحت لوائها 225 أسرة وهو ما يقارب نصف عدد الأسر التابعة لكنيسة مار جرجس آنذاك.
نستعرض فيما يلي وبشكل مختصر لبعض من الأمور الإداريّة والتنظيميّة الخاصّة بعائلات مار جرجس:
١- لكلّ عائلة هيئة إداريّة مؤلّفة من أربعة أعضاء: منسّق العائلة – أمين السرّ – المحاسب – أمين الصندوق.
٢- تضمّ العائلة الواحدة 25 أسرة (25 زوجاً وزوجة) ويعتبر كلاهما عضواً واحداً.
٣- لقاءاتها دوريّة شهريّة.
٤-يتمّ التحضير لكلّ اجتماع شهريّ من قبل ثلاث أسر (ثلاثة أعضاء).
٥- يتمّ تقاسم مهمّة التحضير للاجتماع الشهريّ، بشكل دوريّ ومنتظم على كلّ الأسر.
في ظلّ التعداد الكبير لعائلات مار جرجس، كان لا بدّ من تشكيل هيئة إداريّة عليا مستقلّة، مهامّها التنظيم والتنسيق بين العائلات وخلق لقاءات مشتركة بينها.
وبقرار من إدارة المجلس المليّ وبالتنسيق مع إدارة مركز الخدمة الاجتماعية، تمّ تشكيل الهيئة الإداريّة الأولى باسم هيئة التنسيق العامة لعائلات مار جرجس، تتكوّن بنيتها الإداريّة من:
المنسّق العامّ – أمين السرّ – المحاسب – أمين الصندوق.
توالت على هذه الهيئة منسّقون وإداريون من خيرة شباب الكنيسة، وأبلوا بلاء حسناً في الإدارة والتنسيق، وفي جوّ ديمقراطيّ يسوده المحبّة والتعاون بما فيه خير للكنيسة والمجتمع. استمرّت العائلات التسعة بلقاءاتها الدوريّة بكلّ نشاط وحماس، ومارست أنشطتها الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة بجوّ من المحبّة والمودّة. وفي الآونة الأخيرة وتحديداً في عام 2019 شكّلت عائلة جديدة، مجمل أعضائها من المتزوّجين الجدد، وسمّيت باسم عائلة القدّيسين بطرس وبولس. هنا نأتي إلى ختام هذه المرحلة الهامّة (1980 – 2010) من تاريخ شعبنا السريانيّ الرهاويّ.
وأخيراً وليس آخراً، في ظلّ غياب الأرشفة والتدوين في كنيستنا، اعتمدت في مشاركتي المتواضعة هذه في الكتاب التوثيقيّ (من هجرة إلى هجرة) على مصدّرين أساسيّين: الأوّل، معلوماتي الخاصّة وخبراتي الشخصيّة كشاهد عيان على معظم الأحداث والفعاليّات، كوني كنت من الحاضرين والمشاركين في إدارات وأخويّات عدّة، في تلك المرحلة. أما المصدر الثاني، الاستعانة بمعلومات بعض الملافنة الأكفاء، والذي كان لهم حضور قويّ ومميّز على الساحة الكنسيّة آنذاك، ومعرّفون بحسن إدارتهم وغيرتهم الوقّادة على محبّة الكنيسة، بغية تقاطع الأحداث والتواريخ وجمع المعلومات، وذلك للوصول إلى صيغة نهائيّة قد تكون قريبة جدّاً من الحقيقة. لهم منّي كلّ الشكر والمحبّة والتقدير.
كلمة لا بدّ منها
أستميحكم عذراً… ملافنتي الكرام ممّن انتقلوا من هذا العالم الفاني (رحمهم اللّه)، ومن ما زال منهم أحياء يُرزقون، متمنّياً لكم العمر المديد بالصحّة والعافية. تعمّدت قاصداً على عدم ذكر اسم أيّة شخصيّة إداريّة، وما أكثرهم، وذلك لصعوبة الحصر والضبط، تفادياً من الإجحاف بحقّ أي شخص قد يقع اسمه سهواً في خانة النسيان. ملافنة كثر، خدموا حقل الربّ في تلك المرحلة التي تميّزت واتّسمت بكثافة الأحداث والشخصيّات والفعاليّات، وكلّ حسب إمكاناته وقدراته ووزناته، لكنّهم اشتركوا جميعاً بصفة واحدة ألا وهي العمل الخدميّ المجّانيّ بعيدون كلّ البعد عن مصالحهم الشخصيّة ومكاسبهم المادية.
الخاتمة
بقلب يعتصر ألماً، وبآهات الألم الممزوجة بتنهيدات الحزن، حاولت جاهداً أن ألملم كلماتي المبعثرة من هنا وهناك، كي أسطّر هذه المرحلة الذهبية من تاريخ شعبنا السريانيّ الرهاويّ. أجدادنا وآباؤنا… تعلّمنا منكم الكثير، وحملنا ذاك الإرث الغنيّ الثقيل الذي ورثناه منكم على أكتافنا، وانغرست في ضمائرنا ووجداننا، وعلى عاتقنا أن نقدّمه لأبنائنا وللبراعم الفتيّة كي تغدو أشجار مثمرة في حقل الربّ. والمسيرة مستمرّة….
صور وذكريات